أرواح مشوهة: قصة

القصة الفائزة بالمركز الثاني على مستوى العاصمة

جلست أنا و أمي في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة ، وهي تحاول أن تشق طريقها بعناء وسط زحام المارة و السيارات ، كنت أنظر من خلف زجاج النافذة اليسارية إلى وجوه المارّيين في ذلك الشارع ،وكل منهم ترتسم على وجهه حكاية ، كنت أحس الطاقات السلبية التي ترسلها عيون بعض المارين فتتقاطع مع سلبيات الآخرين و أسأل نفسي : ما هي الطاقة التي يصدرها عقلي لهم هل هي سلبية أم إيجابية ؟؟  فالحب عدوى و الكره عدوى .
حاولت أن أبعد الفكرة من رأسي و لكن دون فائدة تعاقبت ذاكرتي في الانسياب دون إرادة مني و تدفقت الصور كنهر جارٍ ، و أمام كل صورة في ذاكرتي كانت تختلف مشاعري ، ولكن أكثر الصور التي كانت تهزني من الداخل صورة والدي وكلماته الجارحة :" إن أخاك هو رجل المنزل أخاك الذكر و أنت الأنثى ،أنت ضيفة في هذا المنزل سوف تتزوجين و تذهبي " عبارة كانت تشعرني بالعجز أمام مرارة واقع لا يمكن أن أغيره .
استمرت السنوات و كبر مفهوم الرجولة عند أخي و أصبح يتمادى على والدتي و يرفع صوته في كل مرة كانت تحاول فيها أن ترشده إلى الصواب و خاصة عندما يعود إلى المنزل متأخرًا ، و أمّا رد والدي الوحيد :" اتركيه إنه رجل لا يمكن أن نحبسه داخل المنزل كالبنات " .
و استمر والدي بأسلوبه و كذلك أخي ، فطلباته أوامر ، وأوامره مطاعة ، و أنا ووالدتي لا حول لنا و لا قوة أمام سلطة الوالد و جبروت أخ يعتقد أن الحياة له وحده ليمارس في ساحاتها بطولاته الوهمية .
اكتفت والدتي بتشجيعي للدراسة و العلم و بصمت كانت تعمل المستحيل حتى لا تحسسني بالفوارق التي كان والدي ينقب عليها في كل آونة من مراحل حياتي ، حتى في ذلك اليوم عندما قلت له " والدي إن أخي حازم يدخن السجائر " ولكن حازم وقف بكل كبرياء و قال " لا تصدقها إنها كاذبة و تغار مني " صمت والدي قليلًا و قال " اذهبي إلى غرفتك " كان عقله المتزمت يأبى تصديق أن أخي من الممكن أن يخطئ .
هو الفتى المدلل ليس لأنه متميز ، بل لأنه ذكر . ازدادت مطالبه حتى أصبح والدي لا يقدر على إجابة طلباته أمام قصر اليد ، و شيئًا فشيء امتدت يده لسوار أمي ، ساعة والدي ، ثم ..... وثم ........ ، و الجميع صامت لا يتكلم .
فشل في امتحان الثانوية العامة بينما نجحت أنا بتفوق بمحاولة مني لإثبات وجودي أمام أبي الذي أحبّ أخي أكثر مني .
توقفت السيارة و نزلنا فرفعت رأسي لأرى تلك اللافتة التي كتب عليها " السجن تهذيب و إصلاح " حملت حقائب ممتلئة بالأطعمة أحضرتها والدتي لأخي و دخلنا
11
. كنت أريد أن أرى أخي و قد انصلح حاله بعض الشيء نظرت إلى وجهه ، أصبحت نظراته أقسى من السابق و عجرفته لا حدود لها ، صدق من قال " لا يصلح العطار ما أفسد الدهر " .
كان المكان يضج بالنساء ،يضج بأمهات رائحة قلوبهن المحترقة لن تطفئها دموعهن المنهمرة على الخدود ، " كيف حالك يا بني؟ " سألت أمي وردّ أخي بلهجته المعهودة " ماذا ترين ؟؟ كيف سيكون حالي ؟؟ لماذا لم يأتي والدي معكم ؟؟ " ، لم أستطع أن أصمت و أجبته " إن والدك لا يريد أن يراك بعد اليوم و هو يقول أنك لست ابنه و أنك سودت وجهه و قال أيضًا أنك سارق "
سددت كلماتي بسرعة و كنت أقصد إرسالها بنبرة شامتة ربما أحسّها أخي فبادرني  " أنتِ ، اخرسي ، لم أسألك ، ثم أنا لست بسارق أنا مظلوم " أجبته " أنت مظلوم ؟؟ و سيارة جارنا أبو خالد ، ألم تسرقها أنت و أصحابك ؟؟ "
" لا تقولي سرقتها بل أنا استعرتها فقط ، والله والله يا أمي أنا مظلوم "
قالت أمي بكل حكمة " نعم يا بني أنت مظلوم ، لا ذنب لك فالمذنب هو والدك " .
خرجنا و كانت نشوة الانتصار تملؤ روحي ، التي كانت تزهو قائلة : " إنه فاشل و أنا ناجحة " ، نظرت إليّ والدتي نظرة سبرت كل أعماقي " أتشمتين بأخيك يا غادة؟؟ " أنكرت شفتاي و قلت " طبعًا لا يا أمي " ولكن روحي تصرخ قائلة : " أنا المشوهة منذ نعومة أظفاري ، دعوني أشمت  ، وجدران الغيرة التي بنيتم أحجارها تشمت ، والحسد الذي كان يأكلني يشمت ، و الغضب و كل هذه المشاعر الدفينة تشمت ، نعم ،أشمت قلتها في نفسي و فكرت : ولدت أنا و هو من بطن واحدة ، هو توأمي و أنا توأمه ،لماذا هو الأفضل ؟؟ حلمت كل يوم أن أراه هنا ، اليوم أنا الأفضل فهيّا يا حقدي تفجر ، اليوم قد أدركت عقدة نقصي ، أدركت أني ما أحببت أخي يومًا فهل هو أحبني ؟؟

أنا و هو توأمين ، وجهين لعملة واحدة ، قد يكون هو سلبي و كذلك أنا أيضًا سلبية ، وذلك نتاج تربية خاطئة.
أنت سجين بجسدك يا أخي ، و أنا سجينة بروحي ، فهل هناك من يعتقنا ؟؟

Done By : Majdolin Emad Dhayyat.